مرت على الشيخ محمد علي العكري أهم الاحداث التي صاغت ملامح البحرين الحديثة, وفي كل أطوارها وتطوراتها. منذ البدء لميبال بجحافل التغيرات, وحافظ على لغته بغم سيول المتغيرين وسريعي الإنقلاب على المواقف. كان صوتا ناقداً على الدوام. احترف ملاحقة الاخطاء, واليوح بامكنة الإنحرافات وتقصيها إينما وجدت. وأياً يكن المسؤول عنها. قبل أن ينخرط في سلك العلوم الدينية. مبتدا التسعينيات وكان عاطفا على التوجيه الاجتماعي والديني في وقت كانت تحتاج البحرين الى موجات عاتية من الايديولوجيات والأفكار المتقدمة. رفع العكري صوته عاليا وحمل المايكرفون لتعرية المنكرات والترغيب في المعروف وخلق حالأ جديدا في الاوساط القروية وزحف الى الضواحي ناقلاً صوته الاحتجاجي في كل بقعة يصل إليها, لم يكن ينتظر الطلبات والدعوات الرسمية كان يبادر الى اعلان الموقف واقتناص الفرص السانحة وغير السانحة. كان لا يضع حساب الكلفة, ولهذا لم يتردد في إعلاء الاحتججات وتمديد السقوف كل مرة. هكذا كان العكري العلامة الاستثنائية في مرحلة لم يجرؤ احد على قول ما كان يجهر به في المهرجانات الشعبية. كانت الكلفة سنوات من الاعتقال, وما ينطوي عليه من سلسلة من التعريفات الاجرائية سيئة الصيت ! ولكن ذلك لم يغير كثيرا من ملامح العكري الذي كان يوما ما ملهماً للجماهير وتهتف بإسمه حناجرهم الغاضبة.
ما عاد العكري يلفت انتباه الكثيرين, عدا عمامته الكبيرة التي تلتف بطريقةلا تشبه احدا. لا احد يسأل عنه منذ أن هدأت الارض التي يمشي عليها بعد أن استولى عليه المرض الذي قاومه طويلا وهو يخطو بخطوات الشباب من غير فتور في مشيه, وقبل ان تأسره العكاز التي تجاسرت قليلا والتصقت به. سيرته تنبئ أن امكانات تحول المزاج العام تفوق كل التوقعات. لا تخطئ الآذان تلك التعليقات المؤلمة التي تطال العكري وتطاله حتى في الايام الاخيرة قبل وفاته بإنه لا يجيد قراءة الواقع وأنه فاقد الأهلية الفكرية الناضجة ! إنه شيخ طيب ولكنه يجهر كثيرا ! يقولون هذا الكلام لأنه يشتغل على خلف زعامته الخاصة. كان سلوكه الاجتماعي مشحونا بالتواضع والبساطة التي لا نظير لها بين زملائه المعممين, لا هالة مصطنعة تعلوه, ولم يحرص على البروتوكولات فكان يتواجد في كل مكان ينضح, كما يرى بالخير والمطالبة بالحقوق ولهذا السبب قل الذاكرون له بس نسوه تماما.
اليوم أرى الناس كلها منصعقة من خبر وفاته وهمت الجماهير بالتزاحم الى مسقط رأسه ليحملوه على اكتفاهم الى مثواه الاخير ! كنت انتظر في الجموع واقول في نفسي لماذا الان ؟؟ أين كنتم عنه طريح الفراش لاكثر من ثلاث سنوات ؟! أولستم انتم من اطلقتم عليه الاقاويل والنكت والاشاعات ووصفتموه المهرج ؟! الان فقط عرفتم قيمته ؟! الان عرفتهم فقط انه المطبق الفعلي لمسألة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ وانه من الذين لا يخاف في الله لومة لائم ؟! رحمة الله عليك ايها المظلوم
منقول بتصرف من الكاتب نادر المتروك بعد اخذ موافقته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق