أقف على مسافةٍ بعيدة من التأمل وسأكون واقعيا جدا ومنطقيا أكثر .. سأبتعد عن رتابة الكلمات ومزاجية الحروف وملل السرد وسأتكلم بإسم من يؤيدني فقط ومن يعارضني سأكنه له كل ما يستحق !
تتوالى الاحداث وتتسارع الخطى الى النهاية الحتمية ونحن مثقلون جدا ، مثقلون بما يجب أن يقال ، وما لا يمكن أن يقال ، مثقلون إلى الحد الذي لا يمكننا معه فعل شيء آخر غير الكتابة التي نتخفف بها قليلا.
بعض الأشياء عندما نكتبها فذلك لأجل أن ننساها فقط ، نكتبها لأنه من المحال على الذاكرة أن تتحمل ألمها أكثر مما فعلت، نكتبها لكي يكون بمقدورنا أخيرا أن ننساها في وقت يتذكرها فيه الآخرون دون ألم .وبعض الأشياء عندما نكتبها فلأننا لانملك أي خيار آخر ، كما هو الحال عندما نكتب عن أنفسنا لأن الآخرين جعلونا نفعل ذلك !
ذاكرة الآخرين لا تحتضر أبدا ولهذا نكتب عن أنفسنا أحيانا ..نكتب لأن الكثير مما يتذكره الآخرون عنا ليس هو ما نتذكره عن أنفسنا ، وليس هو مما يمكن لنا أن نسمح للآخرين بأن يتذكروه عنا ..نكتب لأجل أن يتذكرونا بالطريقة التي نريدها نحن ، نكتب كيلا يفسدوا ذكرياتنا وكيلا يجعلوها أسوأ مماهي عليه في الواقع ..
في وقت متأخر جدا من حياتك تدرك أن للآخرين ذاكرة أيضا ، تدرك ذلك بعد أن أصبحت ذاكرة الكثير منهم تختزن العديد من المشاهد لك ، مشاهد كنت تظن أنها ملك لك وحدك ولكنك تكتشف أنها لم تكن كذلك ، مشاهد هم يتذكرونها على نحو أنت لا تتذكر أنها كانت عليه مطلقا !لم تكن تعلم أن كونك البطل الوحيد فيها لم يكن سببا كافيا يقرر الآخرون من أجله نسيانها ، وأن ثمة دوافع كثيرة تجعل الآخرين لاينسون ، ولايهم أبدا كيف بدا الأمر لك حينها تافها أو لا يستحق ، ففي الذاكرة متسع لكل شيء !الآخرون يتذكرون دائما ما يجب أن ينسى ، وما لا يجب أن ينسى ينسونه تماما ..
إنهم يتذكرون عنا أكثر مما نتذكره نحن عن أنفسنا ، وأكثر مما يجب عليهم أن يتذكروه عنا!
لكثرة ما يحدثك الآخرون عنك وعن أشياء لاتتذكرها عن نفسك ، تتساءل عما إذا كانت ذاكرتك معطوبة ، وما إذا كنت قد عرفت نفسك يوما ؟!إنهم يعيثون فسادا في ذاكرتك ، ويتلفون الكثير مما تملكه عن نفسك ، ليستبدلوه بأشياء لم تكن يوما في حياتك ، لتتساءل مرة أخرى ما إذا كانت تلك خطيئتك أنك كنت مستهترا لامباليا ، أم هي خطيئتهم أنهم لم يغفروا لك ماغفروه لأنفسهم ؟!
هل هي خطيئتك أنك لم تكن ترى الأمور بأعينهم ، أم هي خطيئتهم حيث لم يشاؤوا أن يروا الأمور كما كنت تراها أنت ؟!
لم يكن منصفا من قال لي يوما أن النسيان يحدث رغما عنا ، لقد نسي أن يخبرني أننا نتذكر رغما عنا أكثر مما ننسى ، وأن الآخرين مهما كان النسيان قريبا منا فإنهم قادرون على أن يجعلوه بعيدا جدا .
وحدها تلك الأشياء التي لا نرغب في نسيانها ، والتي حدثت مرة ثم لم تتكرر، تتوارى سريعا خلف الذاكرة ، تتوارى حيث يصعب نبشها والبحث عنها . يصبح النسيان صعبا عندما تقرره وحدك ، وتصبح الأشياء التي ترغب في نسيانها أكثر إلحاحا على الذاكرة ، وتصبح الكتابة في كثير من الأحيان وسيلة للتخلص ليس إلا .
أحمد حبيب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق