أيها العابرون

هنا متسع للأسئلة / الكلام / الصمت / الضحك الطويل .. قوموا من سباتكم .. و اهجروا قبوركم .. سدوا ثغورَ هالاتِكم بالذِكر .. تجوَّلوا في محراب عالمي .. وتحصّنوا بإسم الله من همزات الشياطين.. وبالصلاة على رسوله وآله من عفاريتِ الجن التي تسترق السمع!
أهلا بكم أيها العابرون

الثلاثاء، 20 مارس 2012

الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان شاهد آخر على حاضر البحرين وماضيها 56 هـ /675م.

مسجد يقع في قريى عسكر في المحافظة الجنوبية, ويضم ضريح صاحب أمير المؤمنين الامام علي عليه السلام صعصعة بن حجر بن صوحان رضوان الله عليه ( القرن 1 هــ )

نسبه :

صُعصعة بن صُوحان بن حجر بن الهجرس بن صبرة بن حدرجان بن ليث بن ظالم بن ذهب بن عجل بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس العبدي. عدّه ابن عبد البر في (الإستيعاب) وابن مندة في (تاريخ اصبهان) وأبو نعيم في (حلية الأولياء) من الصحابة، وعدّه الشيخ الطوسي في رجاله والكشي والبرقي والنجاشي من أصحاب علي عليه السلام، وعدّه ابن شهر آشوب في (معالم العلماء) من شعراء أهل البيت عليهم السلام، وعدّه ابن النديم في (الفهرست) من الخطباء، وهو الراوي لعهد مالك الأشتر. وذكر الكشي أن صعصعة كان من جملة الأشخاص الذين طلب لهم الإمام الحسن عليه السلام من معاوية الأمن وعدم التعرض لهم بسوء ومكروه ولكن معاوية فعل خلاف ذلك.


الخطيب الصادع بالحق:
كان صعصعة من خواصّ أمير المؤمنين علي عليه السلام ومن شيعته المقرّبين، حمل رايته يوم الجمل بعد سقوط أخويه زيد وسيحان، وهو الذي بعثه الإمام علي عليه السلام مع عبد الله بن عباس لمكالمة الخوارج ومحاورتهم في صفين ولدعوتهم الى الجماعة.
كما كان سيدا مطاعا وإماما مقدّما في قومه، وكانت له مواقف مشرّفة وشجاعة في الذود عن الحق وأهله، وعرف بالفصاحة والرجاحة، فقد كان فتيق اللسان جريء الجَنان سلِس البيان، وكان من أبلغ الناس مخاطبةً وأثبتهم محاورةً، وكان لسانه سلاحه الذي شهره في وجه الإستبداد والأثرة، وله مواقف مشهودة مع حكام عصره وقد عانى الحبس والنفي والأذى مرات عديدة بسبب تلك المواقف.
ومن مواقفه تلك:
وقد قدم في وفد أهل العراق على معاوية فقال: مرحبا بكم يا أهل العراق قدمتم أرض الله المقدسة، منها المنشر وإليها المحشر، قدمتم على خير أمير يبرّ كبيركم ويرحم صغيركم، ولو أنّ الناس كلهم ولد إلى سفيان، لكانوا حلماء وعقلاء.
فأشار الناس إلى صعصعة بن صوحان فقام فحمد الله وصلّى على النبي صلّى الله عليه وآله ثم قال: أما قولك يا معاوية إنا قدمنا الأرض المقدسة، فلعمري ما الأرض تقدس الناس ولا يقدس الناس إلا أعمالهم، وأما قولك إنّ منها المنشر وإليها المحشر، فلعمري ما ينفع قربها كافرا ولا يضر بُعدها مؤمنا. وأما قولك لو أن الناس كلهم وُلد أبي سفيان لكانوا حلماء وعقلاء، فقد ولدهم من هو خير من أبي سفيان، آدم صلّى الله عليه فمنهم الحليم والسفيه والجاهل والعالم.
فقال له معاوية: والله لأجفينك عن الوساد، ولاشردنّ بك في البلاد، فقال له صعصة: والله إن في الأرض لسعة، وإن في فراقك لدعة.
فقال معاوية: والله لأحبسن عطاءك.
قال صعصعة: إن كان ذلك بيدك فافعل، إن العطاء وفضائل النعماء في ملكوت من لا تنفد خزائنه، ولا يبيد عطاؤه، ولا يحيف في قضيته، فقال له معاوية: لقد استقتلت.
فقال له صعصة: مهلا، لم أقل جهلا ولم استحل قتلا، لا تقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، ومن قُتِل مظلوما كان الله لقاتله مقيما، يرهقه إليما، ويجرعه حميما، ويصليه جحيما.
فقال معاوية لعمرو بن العاص: اكفِناه، فقال له عمرو: وما تجهّمك لسلطانك ؟ فقال له صعصعة: ويلي عليك يا مأوى مطردي أهل الفساد ومُعادي أهل الرشاد، فسكت عنه عمرو.
وقد نفي مرتين بسبب مجاهرته بالحق ونصحه للسلطان، المرة الأولى نفي من قِبَل الخليفة عثمان بن العفان (رض) وذلك لما ولي الكوفة سعيد بن العاص الأموي، وقد أنكر أعماله جماعة من القرّاء والزعماء والأخيار من أهل الكوفة، وفي طليعتهم: مالك الأشتر وكميل بن زياد وزيد بن صوحان وصعصعة بن صوحان وعدي بن حاتم الطائي ومالك بن حبيب بن خراش وغيرهم من وجوه الكوفة، وراح سعيد بن العاص يندّد بهم ويهددهم، وقابلوه بالغلظة في الكلام، فكتب الى الخليفة عثمان في أمرهم، فأجابه أن سيّرهم الى الشام، فخاف معاوية أن يهيّجوا عليه أهل الشام فكتب في أمرهم الى الخليفة عثمان فكتب اليه أن سيّرهم الى حمص وكان واليه عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة، وكتب عثمان الى ولاتها بالحضور عنده فسار اليه معاوية من الشام وعبد الرحمن من حمص وسعيد بن العاص من الكوفة وغيرهم من أقطار أخرى فاغتنم القرّاء هذه الفرصة غياب القوم عن ولاياتهم فرجعوا الى الكوفة، ولما دخل مالك الأشتر الكوفة صلى بالناس الجمعة ورتّب المراتب وعسكر العساكر وبعث القُوّاد الى الأطراف حتى قام بالأمر أمير المؤمنين عليه السلام.
ولعل السبب المباشر في نفيه من الكوفة هو الموقف التالي، روى الكشي بسنده عن عاصم بن أبي النجود عمن شهد ذلك، قال: إن معاوية حين قدم الكوفة دخل عليه رجال من أصحاب علي عليه السلام، وكان الحسن بن علي عليه السلام قد أخذ لهم الأمان، ومنهم صعصعة بن صُوحان، فلما دخل قال له معاوية: أما والله إني كنت لأبغض أن تدخل في أماني، فأجابه: وأنا والله أبغض أن أسميك بهذا الإسم، ثم سلّم عليه بالخلافة، فقال معاوية: إن كنت صادقا فاصعد المنبر والعن عليّا !!
فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس أتيتكم من عند رجل قدّم شره، وأخّر خيره، وأنه أمرني أن ألعن عليّا فالعنوه لعنه الله، فضجّ الناس بآمين، فلما نزل قال له معاوية: لا والله ما عنيت غيري، ارجع حتى تسمّه بإسمه، فرجع وصعد المنبر، ثم قال: أيها الناس، إن أمير المؤمنين أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب، فالعنوا من لعن عليّ بن أبي طالب، فضج الناس بآمين.
فلما سمع ذلك معاوية قال: لا والله ما عنى غيري، أخرجوه لا يساكنني في بلد.
فأخرجوه ثم نفوه بأمر معاوية من الكوفة نفاه منها واليها يومذاك المغيرة بن شعبة الثقفي إلى جزيرة تعرف باسم (ابن كاوان) أو (ابن كافان) بين عُمان والبحرين وبقي هناك حتى وفاته سنة 60هـ/679م.
وقد رثى أمير المؤمنين عليه السلام بأبيات:
الا من لي بأنسك يا أخيا ومن لي أن أبثك ما لديّا ؟
طوتك خطوب دهر قد توالى لذاك خطوبه نشرا وطيّا
فلو نشرت قواك لي المنايا شكوت إليك ما صنعت إليّا
بكيتك يا علي بدر عيني فلم يغن البكاء عليك شيّا
كفى حزنا بدفنك ثم إني نفضت تراب قبرك من يديا
وكانت في حياتك لي عظات وأنت اليوم أوعظ منك حيّا
فيا أسفي عليك وطول شوقي إلا لو أن ذلك رد شيّا.
وقد وقف صعصعة بن صوحان موقف المعارضة من الاستبداد والظلم والفساد، فكان كما كان أبو ذر رضوان الله عليهما لا يخشى في الله لومة لائم، ولا عذل عاذل، ومن مواقفه المشهودة أيضا ما رواه ابن عساكر بإسناده الى عطاء بن أبي رباح قال: إن صعصعة بن صوحان دخل على معاوية بن أبي سفيان ولم يسلم عليه بالخلافة فقال له ممن أنت؟
قال: أنا من نزار، قال معاوية: وما نزار؟
قال: كان إذا غزا احتوش وإذا انصرف انكمش وإذا لقي افترش.
قال ومن أي ولده أنت؟.. الى أن قال: من عبد القيس.
قال وما عبد القيس ؟
قال: أبطال ذادة وحجاحجة سادة وصناديد قادة.
قال ومن أي ولده أنت ؟
قال من أفصى. قال: وما أفصى ؟
قال: كان يباشر القتال ويعاشر الأبطال ويبذر الأموال.
قال معاوية: ومن أي ولده أنت ؟
قال: من عمرو. قال ومن عمرو ؟
قال: كانوا يستعملون السيف ويكرمون الضيف في الشتاء والصيف.
قال: ومن أي ولده أنت ؟
قال من عجل، قال: ومَن عجل ؟
قال: ليوث ضراغمة قروم قشاعمة ملوك قماقمة.
قال: ومن أي ولده أنت ؟
قال: مِن مالك، قال: ومَن مالك ؟
قال: الهمام القمقام.
ثم قال معاوية: يا ابن صوحان ما تركت لهذا الحي من قريش شيئا، قال بلى تركت لهم الوبر والمدر والأبيض والأصفر والصفا والمشعر والقبة والمنحر والسرير والمنبر والملك إلى المحشر ومن الآن الى المنشر.
قال: أما والله يا ابن صوحان إني لأبغض أن أراك خطيبا، قال وإني والله لأبغض أن أراك أميرا.
وله ابن اسمه صوحان ورد ذكره في بعض كتب السير مثل كتاب اللهوف في قتلى الطفوف للسيد ابن طاووس ومقتل الحسين عليه السلام لأبي مخنف وقد ذكر أنه لقي الإمام زين العابدين عليه السلام عند قدومه الى المدينة عائدا من الشام بعد مقتل الحسين عليه السلام ولما قام الإمام وخطب فيمن حضر خطبته قام صوحان وكان زَمِنا فاعتذر إلى الإمام بما عنده من زمانة رجليه فأجابه الإمام عليه السلام بقبول معذرته وحسن الظن فيه وشكر له وترحّم على أبيه.

وفاته ومرقده:
ذكر الصفدي في كتابه الوافي أن صعصعة توفي في الكوفة في حدود الستين للهجرة، بينما خير الدين الزركلي صاحب الأعلام يذكر أن صعصعة مات في أوال سنة 56 هـ /675م.
وكان قد نفاه معاوية من الكوفة بعد اعتراضاته الجريئة.
ويقع ضريحه في قرية (عسكر) الواقعة أقصى جنوب المنامة على بعد 25 كم، وهو مزار مشهور.
يقول النبهاني: قرية عسكر _ هي على مسافة ساعتين ونصف للراكب من المنامة جهة الجنوب.
ودفن جنوب ضريح صعصعة الشيخ محمد الجوي وهو من صلحاء قرية جو يقول النبهاني أنه دفن هناك بوصية منه، ودفن إلى جانبه رجل آخر اسمه محمد بن درباس.
ومما يحسن ذكره أن في نفس البلدة أو قريبا منها يوجد قبر قيل انه للصحابي حيان بن عبد القيس.
ذكر المؤرخ الشيخ محمد علي التاجر: يقع قبر حيان بن عبد القيس البحراني في الرأس المسمّى باسمه ولم يقف على تعريف في المعاجم، وله عدة أولاد كلهم له صحبة ووفادة على النبي صلى الله عليه وآله غير واحد منهم اختلف في صحبته، ومن أبنائه هرم ابن حيان أحد الزهّاد الثمانية واختلف في صحبته، جاء في الكشي سئل الفضل بن شاذان عن الزهاد الثمانية، فقال: الربيع بن خيثم وهرم بن حيان وأويس القرني وعامر عبد قيس فكانوا مع علي عليه السلام وأصحابه كانوا زهّادا أتقياء.
وفي الإصابة بعث عثمان بن أبي العاص هرم بن حيان العبدي الى قلعة بجزيرة فافتتحها عنوة وذلك سنة 26هـ /646م وقيل سنة 18هـ/639م وكانوا أيام عمر _ على ما تقدم _ أنهم لا يؤمرون في الفتوح الا الصحابة.
وفي مسند الدارمي أنه لما مات هرم دفن في يوم صائف فجاءت سحابة فرشّت قبره وما حوله وقال ابن حيان أدرك عمر وولى الولايات في خلافته وقال أبو عبيدة أعبد العرب هرم بن حيان العبدي صاحب أويس القرني وقال العسكري كان من خيار التابعين.
وقال أبو سعد ثقة له فضل، وكان على عبد القيس في الفتوح وقد سكن الكوفة.
وذكر النبهاني في تاريخ البحرين في وسط قرية حيان جبل وبأعلاه ضريح مشهور بقبر حيان، فعله حيان بن مازن لأن مازنا صحابي ومن أهل عمان ورئيسها ويحتمل أنه أرسل ابنه حيانا الى جزيرة أوال عاملا عليها.


تحقيق في نسبة المقام لصعصعة بن صوحان:
اُختُلِف كثيرا في موضع دفنه، وهنا نستعرض الآراء المختلفة في موضع دفنه، ثم نحاول أن نرجح أحدها حسب المعطيات المتوفرة لدينا:
1. أنه مات في الكوفة في خلافة معاوية:
فقد ذكر ابن سعد (ت 230هـ/844م) في طبقاته قال: توفي صعصعة بالكوفة في خلافة معاوية بن أبي سفيان وكان ثقة قليل الحديث.
وذكر ذلك أيضا ابن الأثير الجزري (ت 630هـ/1232م) في أسد الغابة: توفي في أيام معاوية.
وكذلك ذكر المؤرخ صلاح الدين الصفدي (764هـ/1362م) في كتابه (الوافي في الوفيات): توفي بالكوفة في حدود الستين للهجرة وكان قد واجه عثمان بشيء فأبعده الى الشام.
وقاله أيضا ابن حجر (ت 852هـ/1448م) في (الإصابة): صعصعة بن صوحان مات بالكوفة في خلافة معاوية وقيل بعدها.
وكذلك ذكر ابن عساكر (ت 1176هـ/1762م): توفي صعصعة بالكوفة في خلافة معاوية بن أبي سفيان.
أقول ويظهر أنهم كلهم أخذوا ذلك عن ابن سعد.
وكذلك استظهر الشيخ علي البلادي صاحب أنوار البدرين (ت 1340هـ/1920م) يقول عن زيد: أما أخوه صعصعة فالظاهر من بعض الكتب المعتبرة أنه قتله معاوية ولم يبق إلى زمان الحسين عليه السلام فضلا عن زمان عبد الملك أو أبيه مروان.
وعلى هذا الرأي فإنه مات في الكوفة قبل سنة 60 هـ وهي سنة وفاة معاوية بن أبي سفيان.
2. أنه نفي الى البحرين أو جزيرة بن كافان ومات فيها:
ذكر ابن حجر (ت 852هـ/1448م) في (الإصابة): صعصعة بن صوحان مات بالكوفة في خلافة معاوية وقيل بعدها، ثم قال: وذكر العلائي في أخبار زياد أن المغيرة نفى صعصعة بأمر معاوية من الكوفة الى الجزيرة أو إلى البحرين وقيل الى جزيرة بن كافان فمات فيها.
وذكر خير الدين الزركلي (ت 1396هـ/1976م): صعصعة بن صوحان (.._ 56هـ).. نفاه المغيرة من الكوفة الى جزيرة (أوال) في البحرين بأمر معاوية فمات فيها عن 70 عاما.
3. أنه مات بالكوفة بعد خلافة معاوية: ذكر ابن حجر: صعصة بن صوحان.. مات بالكوفة في خلافة معاوية وقيل بعدها.
وذكر أبو مخنف في (حكاية المختار في أخذ الثار) أن صعصعة العبدي كان ضمن المحابيس من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام الذين كانوا في سجن ابن زياد مع سليمان بن صرد والمختار الثقفي وابراهيم ابن مالك الأشتر وقد خرج معهم لما كسروا الحبس بعد وفاة يزيد.
وهذه الحادثة حدثت في سنة 65هـ / 684م، ومعاوية مات سنة 60هـ /679م.


الحاصل:
أٌقول: لا يستبعد النفي في حق صعصعة من قبل معاوية فهي سياسة كانت متبعة آنذاك ضد أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام كما حدث لأبي ذر رضوان الله عليه ومالك الأشتر وكميل بن زياد وزيد بن صوحان من قِبَله ومن قِبَل الخليفة عثمان (رض)، لا سيما أن معاوية هدّده في احدى مقابلاته معه بالنفي والإقصاء حينما قال له: والله لأجفينك عن الوساد، ولاشردنّ بك في البلاد.
واختيار البحرين لتكون المنفى له أيضا يبدو مستساغا وغير مستبعد، بسبب كونها جزيرة نائية، أو لأنها موطنه الأصلي، ولأنها معروفة بالتشيع.
والثابت أنه نفي من الكوفة ولكن هل نفي الى البحرين فعلا ؟
لا نعلم، ولا يوجد ما يؤكد ذلك، وإن كان حدث فإنه كان مؤقتا لأن صعصعة مات في الكوفة ولا بد أنه أقبر فيها كما يغلب عليه الظن.
1. أما بالنسبة للرأي القائل بأنه مات بعد خلافة معاوية فغير صحيح، لقول أكثر المؤرخين وأهل السير بأنه مات في خلافة معاوية، ولوجود بعض القرائن منها: أن الإمام زين العابدين عليه السلام ترحّم على صعصعة بن صوحان سنة 61هـ عند رجوعه الى المدينة بعد واقعة الطف، وهذا مما يفند ما جاء في حكاية (الأخذ بالثار) من أن صعصعة العبدي كان من ضمن المحابيس الذين حررهم المختار سنة 65هـ. بينما ترحّم عليه زين العابدين سنة 61هـ /680م، وأن المتبادر للذهن _ كما هو المتعارف _ من الترحم على المؤمن هو أن يكون بعد موته.
وعليه فإن المرجّح أن صعصعة مات في خلافة معاوية كما ذكر ابن سعد أي قبل سنة 60 هـ / 679م، وما يجعلنا أن نرجّح هذا الرأي أيضا أن طبقات ابن سعد أقوى اعتبارا من غيره وهو كتاب معتمد الى حد ما من قبل المؤرخين والمحققين. ولكونه أقرب من عصر صعصعة من الآخرين.
وذهب إلى ذلك أيضا الشيخ آغا بزرك الطهراني.
والشيخ علي البلادي صاحب أنوار البدرين.
وذهب الى ذلك أيضا المؤرخ أبو الحسن علي بن أبي بكر الهروي المتوفى بحلب سنة 611هـ / 1214م في كتابه (الإشارات الى معرفة الزيارات)، يقول صاحب مراقد المعارف في ترجمته لصعصعة بن صوحان: المعروف أن قبره في ظهر الكوفة بـ (الثوية).
وفي الهامش نقل قول أبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي عند ذكر مدينة الرقة وما فيها من المشاهد والقبور، قال: وفيها حجرة صعصعة بن صوحان العبدي صاحب علي بن أبي طالب عليه السلام. ص62 وفي ص79 منه قال: وبالكوفة المغيرة بن شعبة وسمرة بن جندب وخباب بن الأرت، وصعصعة، وسعيد بن جبير، وشريك القاضي، وقد زرنا صعصعة بن صوحان شرقي المطار بالجعفرية.
وذكر السيد مهدي البغدادي (1277هـ/1860م _1329هـ/1911م) في ديوانه المخطوط لدى الشيخ عبد المولى الطريحي، جاء في مقدمتها أن السيد البغدادي قالها عند مروره بقبر صعصعة بن صوحان والأبيات:
مررت على دار ابن صوحان غدوة وتحتي غيب سبي الريح حافره
وقد مر بي بعدو فلاح لناظري بها قبر من أهوى وما أنا زائره
فأوقته كيما أزور ضريحه واني لعمري لو أبى المكث عاقره
وقفت وأوقعت النجيب ولم أزل ينظم دمع العين في الترب ناضره
فقلت لنفسي ما عسى ينفع البكا دون الذي أهوى من الترب دائره.
الا أن البعض ينفي أن يكون المقصود قبره بالفعل، ويحتمل اشتباه السائح الهروي والسيد مهدي البغدادي بمسجد صعصعة، فظنا أن مسجد صعصعة المعروف في الكوفة يحوي قبره، ربما بسبب أن الشائع في مساجد الأعيان أن يدفن اصحابها فيها فتصبح مزارا، وعضّدوا زعمهم هذا بعدم وجود أثر لقبر يعرف لصعصعة بن صوحان في الكوفة.
يقول المحقق الأستاذ محمد سعيد الطريحي (معاصر) عند ذكر أبيات السيد مهدي البغدادي: وأظن أن المقصود من ذلك مرور الشاعر بمسجد صعصعة إذ لم يعرف الى الآن أن لصعصعة قبر لا بالكوفة ولا في ضواحيها القديمة.
مع أن السيد البغدادي ذكر الضريح في أبياته وليس المسجد.
أقول يبقى قول الطريحي ظنا بسبب عدم عثوره على أثر لقبر ينسب لصعصعة بالكوفة في عصرنا هذا، بينما المصادر التاريخية المشهورة تذكر أنه مات في الكوفة وهذا يعني أنه دفن فيها، والذي يحل هذا الإشكال احتمال اندثار قبر صعصعة كحال الكثير من قبور الصحابة والتابعين، خصوصا أن الثوية كانت مقبرة الكوفة العامة وقد دفن فيها معظم أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام كسهل وعثمان ابنا حنيف وزيد ابن أرقم ورشيد الهجري وكميل بن زياد وخباب بن الأرت وعبيد الله بن أبي رافع كاتب أمير المؤمنين عليه السلام وعدي بن حاتم الطائي وجويرية بن مسهر العبدي وغيرهم، يقول محمد النويني: وتوجد قبور كثيرة لجماعة من فضلاء الصحابة المخلصين في مقبرة الثوية ومعظم هذه الأسماء التي مر ذكرها أعلاه قد دفن أصحابها في الثوية لأن الثوية كانت مقبرة الكوفة العامة آنذاك، والثوية اليوم واقعة في النجف الأشرف -حي الحنّانة- وتشمل منطقة الحنّانة كلها الشارع العام الذي يربط النجف بالكوفة، وجامعة النجف الدينية وما جاورها، وقد قام أهالي النجف بشراء قطع لتخصيصها مقابر في الغرف الموجودة داخل الحرم للصحابي كميل بن زياد النخعي وبذلك أعاد أهالي النجف لهذه المنطقة ما كانت عليه آنذاك.
ولعل ما ذكره الهروي والسيد البغدادي هو فعلا قبر صعصعة بن صوحان وهو غير مسجده المعروف بالكوفة ولكنه _ أي قبره _ اندثر في القرون الأخيرة، خصوصا أن السائح الهروي رحالة معروف جاب الدنيا ولم يترك مكانا مهما الا وخط عليه اسمه حتى أصبح مضربا للمثل في ذلك.
أما المرقد المعروف في عسكر بالبحرين قد يكون لغيره ربما لأحد أحفاده كما قيل، خصوصا أن صعصعة له ابن اسمه صوحان ابن صعصعة ابن صوحان الوارد ذكره في أحداث ما بعد عاشوراء عند رجوع زين العابدين عليه السلام الى المدينة كما أسلفنا.
وبناءا على ماذكره فضيلة الشيخ علي العصفور في كتابه (بعض فقهاء البحرين) عن زيد بن صوحان، فقد سألت سماحة العلامة السيد جواد الوداعي أطال الله عمره عن مصدره فقال: لم أقل زيد، وإنما قلت: شمس الدين صعصعة بن صوحان بن صعصعة بن صوحان، وسمعت ذلك من الشيخ محمد علي التاجر (ت 1387هـ/1967م) مشافهة بناءا على مارآه منحوتا على صخرة قبر صعصعة.
ومما يدعم ذلك أيضا ما توصل إليه الخطيب المحقق علي بن الحسين الهاشمي في كتابه (تاريخ من دفن في العراق من الصحابة) وعدّ منهم صعصعة بن صوحان، وردّ على ابن حجر على قوله بأنه نفي الى البحرين بأمر معاوية ومات فيها فقال: انفرد بهذا القول ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة، وهذا عين الإشتباه.
إلا أنه لم يشر الى وجود قبر له في الكوفة.
ذكر محمد جواد مرهون نقلا عن كتاب المحفوظات والقراءة لوزارة التربية والتعليم بالبحرين للصف السادس الإبتدائي: أن القبر توجد على جانبه صخرة عليها كتابة يعود تاريخها الى سنة 676هـ الموافق لسنة 1277م.
ويقول الشيخ النبهاني أن ضريح صعصعة كانت عليه قبة ثم تهدمت ولم تعمر.
والخلاصة، أن أكثر الأدلة التي ذكرناها ترجح دفنه في الكوفة، وأن المدفون في عسكر قد يكون أحد أحفاده، ورغم ذلك لا نستطيع إثبات أو نفي شيء بشكل قاطع من خلال تلك الأدلة وغاية ما نستطيعه ترجيح دفنه في الكوفة.


كرامات:
يقول الشيخ النبهاني في تحفته: ومشهور عند أهل البحرين إن من خصائص قرية عسكر عدم دخول الطاعون فيها، ويعدّونها كرامة لصعصعة رضي الله عنه. وفُحص عن ذلك فلم يسمع منذ سكنتها العرب أن أحدا مات بها مطعونا قط والله يختص برحمته من يشاء.
أقول ويصعب إثبات مثل هذه الأمور، والله العالم بحقيقة الحال، إلا أن وقوع نظير هذه الأوبئة على البلاد يُعدّ من علائم السوء، يقول السيد محمد مهدي الخوانساري في (أحسن الوديعة) في صدد حديثه عن مدينة أصفهان الإيرانية: وإلا فإصفهان مركز أهل الإيمان ومعدن علمائنا الأعيان ويشهد بذلك أنهم قَلّ ما يُبتلون بالوباء الشديد أو سائر النقمات الفاضحة بل لم يبتلوا منذ بنيت البلدة بالطاعون الذي هو من علائم السوء أبدا.
وينقل محمد جواد مرهون عن الحاج أحمد البوعينين قيم المسجد السابق الذي خدم المسجد أكثر من 35 عاما قوله: أنه كان في الماضي يشاهد في بعض الليالي أنوارا ممتدة بين الضريحين _ ضريح الشيخ صعصعة وضريح الشيخ ابراهيم _ ويسمع قراءة قرآن ومناجاة.


مما قيل في صعصعة بن صوحان:
1. الإمام الصادق عليه السلام ( ت 148هـ/765م): ما كان مع أمير المؤمنين عليه السلام من يعرف حقه إلا صعصعة وأصحابه.
2. عبد الله بن العباس رض (ت 68هـ/687م): والله يا بن صوحان إنك لسليل أقوام كرام خطباء فصحاء، ما ورثت هذا عن كلالة.
3. معاوية بن أبي سفيان (ت 60هـ/679م): هذا أحدّ سهام عليّ وخطباء العرب. وذلك لما أرسله أمير المؤمنين عليه السلام برسالة إلى معاوية.
4. أبو الحسن علي المسعودي (ت 396هـ/1005م): ولصعصعة بن صوحان أخبار حسان، وكلام في نهاية البلاغة والفصاحة والإيضاح عن المعاني، على إيجاز واختصار.
5. أبو عمر بن عبد البر (ت 463هـ/1070م): كان مسلما في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله ولم يره. وقال أيضا: شهد صفين مع علي وكان خطيبا فصيحا وله مع معاوية مواقف.
6. الحافظ شمس الدين الذهبي (ت 748هـ/1347م): أحد شيعة علي [عليه السلام] أمّره على بعض الكراديس يوم صفين، وكان شريفا مطاعا خطيبا بليغا مفوّها، واجه عثمان بشيء فأبعده الى الشام، روى عن علي وغيره وروى عنه الشعبي وأبو اسحاق.
7. الاستاذ الباحث محمد سعيد الطريحي: هو سيد من سادات العرب، ومن خطبائهم وفصحائهم المشهورين، ومن أصحاب الخطط بالكوفة ومن رواة الحديث الثقاة، له سيرة مشرّفة وذكر حميد في الدفاع عن المبادئ الإسلامية المثلى، والذياد عن الحق والعدالة والفضيلة، فأشاد بشخصيته الباحثون والمؤرخون، واثنوا على جلالة قدره وعلمه، وزهده وعبادته ومواقفه الصلبة الشجاعة.
8. ابراهيم محمد خليفة: وكان صعصعة من قادة الشيعة الذين ملكوا رصيدا هائلا من الجرأة والإقدام، فلم يتهيب السلطات، ولم يخضع لجور الحكم وجبروته، وإنما اندفع بكل بسالة وشجاعة إلى مقاومة المنكر وشجب الباطل.

المصدر(بتصرف):
المزارات في البحرين - محمد باقر الناصري

ليست هناك تعليقات: